أكد أستاذ إدارة الفعاليات والإدارة السياحية بجامعة الملك سعود عماد منشي، أن قطع علاقات الدول العربية الأربع، مع قطر، وإغلاق حدودها البرية وأجوائها ومياهها الإقليمية، سيلقي بظلاله السلبية على السياحة القطرية لهذا العام. وقدم منشي تحليلاً علمياً منهجياً للآثار المترتبة على مقاطعة قطر من ثلاث دول مجاورة لها، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، وأكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، جمهورية مصر العربية، على استضافة قطر لمونديال كأس العالم لكرة القدم بعد خمس سنوات (2022)، عبر بحث يلخص أهم تداعيات المقاطعة من خلال 10 آثار ضمن المراحل الثلاث التي تمر بها أي فعالية، مرحلة ما قبل الفعالية (التخطيط)، ومرحلة أثناء انعقاد الفعالية (التنفيذ)، ومرحلة ما بعد الفعالية (التقييم)، على النحو التالي:
6 آثار ضمن مرحلة ما قبل الفعالية
أولاً: تأثر تنفيذ مشاريع المونديال
رغم تنظيم قطر لعدد من الفعاليات الرياضية الرئيسية (Major Events) سابقاً، إلا أن مونديال كأس العالم الذي يعتبر أحد الفعاليات الأربع الضخمة على مستوى العالم (Mega Events)، يستدعي تجهيز بنى تحتية جديدة، وبناء بنى فوقية، فضلاً عن زيادة الطاقة الاستيعابية للعديد من المرافق المرتبطة بصناعة النقل، وقطاع الضيافة، وقطاع الصحة، وصناعة الخدمات - المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات؛ لتناسب حجم زوار الفعالية الضخمة. إغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر مع السعودية، يُصعِّب نقل المعدات الضخمة الخاصة بالحفر والبناء وأعمال المقاولات، ليجبر السلطات القطرية على استخدام قطاعي النقل الجوي والبحري -اللذين لايزالان مفتوحين أمام حركة النقل- في ظل عدم اكتمال مفهوم زعم الحصار الذي تروج له الدوحة، إلا أن الأول أعلى تكلفة وغير مناسب لنقل الآليات الضخمة، والثاني يتصف ببطئه. وبناءً عليه، ارتفاع تكاليف استضافة المونديال، خصوصا أن المواد الأولية لقطاع المقاولات المستوردة من السعودية ذات جودة عالية وأسعار تنافسية، فضلاً عن المخاطرة بالوفاء بتسليم المشاريع حسب الخطط الزمنية المرسومة لها.
ثانياً: تأثر الموارد البشرية الخاصة بتنفيذ مشاريع المونديال
مجموعة من الشركات المساهمة والأفراد العاملين بمشاريع المقاولات موجودون في السعودية والإمارات، وقطع العلاقات يمنع مواطني الدولتين من السفر لقطر، كما يحتم على العاملين المقيمين بها مغادرتها حتى لو لم تستبعدهم الدوحة، وهو ما حدث فعلاً بعد توقف الفلبين عن إرسال عمالتها بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب. هذا الأثر السلبي يعزز آثار الخطر السابق بارتفاع التكاليف، وتأخر مواعيد تسليم المشاريع.
ثالثاً: تمويل مشاريع المونديال
من أهم تحديات استضافة الفعاليات الضخمة هي القدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع المرتبطة بالفعالية، والتي تسعى الدول المستضيفة لتلك الفعاليات عادةً لتمويلها من أربع قنوات رئيسية: مدخراتها وصناديقها السيادية، أو الاقتراض من مؤسسات التمويل المحلية، والدولية، فضلاً عما تجنيه من حقوق الرعاية. أما المدخرات فكل الدول الخليجية تراجعت مدخراتها بسبب تراجع أسعار النفط، وتحقيقها لعجوزات مالية في ميزانياتها للعام الحالي. وبعد تخفيض التصنيف الائتماني لقطر بسبب المقاطعة من وكالتي ستاندرد آند بورز، وموديز، ووضع وكالة فيتش التصنيف الائتماني لقطر قيد المراجعة مع احتمال الخفض مستقبلاً، وارتفاع تكلفة الديون الخارجية، وتراجع سعر صرف الريال القطري وتوقف التعامل معه في بعض الدول ومراكز الصرافة العالمية، وهو ما يؤدي حتماً لارتفاع تكاليف الاقتراض نسبياً. أما الرعاة الرئيسيون والثانويون لمثل هذه الفعاليات، قد يتراجعون كلياً أو جزئياً عن رعاية المونديال؛ نظراً لارتباط اسم الدولة المستضيفة بتهم الإرهاب -حسب ما جاء على لسان الدول المقاطعة لقطر- وهو ما حدث أخيرا بفسخ عقد رعاية الخطوط القطرية لنادي الأهلي السعودي (بغض النظر عن الجهة التي طالبت بفسخ العقد أو مبررات فسخه)، وبالتالي ارتفاع تكاليف التمويل، وتراجع العائد على الاستثمار لاستضافة المونديال.
رابعاً: تشوه الصورة الذهنية
بمجرد إعلان الدول العربية الأربع في بيانات مستقلة ومتزامنة مقاطعة دولة قطر، وإغلاق الأجواء، والمياه، والمنفذ البري الوحيد؛ مبررة ذلك بتهم تتعلق بدعم وتمويل ورعاية الإرهاب مالياً وسياسياً وإعلامياً، تناقلت وسائل الإعلام العالمية -المرئية والمقروءة والمسموعة- تفاصيل الخبر بجميع اللغات الرئيسية (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية وباقي اللغات الأوروبية والآسيوية). عناوين الأخبار العاجلة، وعناوين التقارير المستمرة، وحتى الأوسمة في شبكات التواصل الاجتماعي جمعت بين ثلاث مفردات أساسية: «قطر، قطع العلاقات، إرهاب»، وبالتالي فإن الصورة الذهنية لوجهة سياحية احتلت المركز السابع والأربعين على مؤشر تنافسية صناعة السفر والسياحة العالمي لعام 2017م الذي صدر في شهر أبريل أي قبل اشتعال الأزمة السياسية بشهرين (متراجعةً أربعة مراكز عن مركزها السابق في عام 2015م وستة مراكز عن مركزها في عام 2013م)، التي تروج لنفسها على أنها وجهة سياحية فاخرة (Luxury Tourism Destination) قد تعرضت صورتها الذهنية للتشويه، وفي حال استمرار التغطية الإعلامية على مستوى العالم، وحتى التغطية الإعلامية المضادة التي تنفي تهم الإرهاب، فإن التشويه سوف ينتقل أثره من الصورة الذهنية للصورة النمطية، التي يصعب معالجتها في الأجل القصير أو المتوسط قبل انطلاق المونديال، بل حتى بعد تنظيم المونديال، سوف تستمر الصورة النمطية المشوهة في فرض تحديات كبيرة لتطوير صناعة السياحة القطرية (تم توضيح هذه المعلومة ضمن الأثر العاشر).
خامساً: تراجع فرص عقد المعسكرات الخارجية للمنتخبات المتأهلة للمونديال في الدول المجاورة لقطر
الأبحاث العلمية في مجال إدارة الفعاليات توضح الأدوار الإيجابية المباشرة وغير المباشرة التي تلعبها الدول المجاورة لإنجاح استضافة دولة ما لفعالية ضخمة. فعلى سبيل المثال، لأن المرافق الرياضية بالدول المستضيفة عادةً لا تكفي لاحتضان 32 منتخباً لإقامة معسكراتهم، تتعاقد المنتخبات المتأهلة مع الفنادق وملاك الملاعب الرياضية بالدول المجاورة لاستضافة معسكرات التدريب؛ للتدريب بظروف مناخية مشابهة للبلد المستضيف قبل انطلاقة المونديال، فضلاً عن تقليل زمن الرحلة بين معسكر التدريب والبلد المستضيف بعد نهاية المعسكر؛ لتقليل الآثار الفسيولوجية السلبية على اللاعبين. قرار قطاع العلاقات قد يُعقّد فرص وجود تلك المنتخبات في ملاعب السعودية والإمارات والبحرين.
سادساً: عناصر نجاح الفعاليات والوجهات السياحية
يمثل هذا الموضوع أحد أهم مجالات الأبحاث العلمية في العلوم السياحية (Events and Tourism Destinations Success Factors)، والتي تبحث كل ما من شأنه إنجاح الفعالية والوجهات السياحية المستضيفة للفعاليات، وتعظيم الآثار الاقتصادية والاجتماعية، وتقليل الآثار السلبية، وهذه العناصر ليست مرتبطة بالفعالية فحسب، مثل جودة تنظيمها وإدارة مخاطرها، وإنما تمتد للفعاليات والأنشطة السياحية المصاحبة للفعالية، وكذلك ما ينظم قبل وبعد الفعالية الضخمة. جميع الأنماط السياحية الرئيسية التي تروج لها قطر قد تأثرت سلباً بشكل مباشر أو غير مباشر بالأحداث السياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سياحة الترانزيت (Transit Tourism) بسبب إغلاق المجالات الجوية للدول المجاورة، سياحة السفن السياحية العملاقة (Cruise Ship Tourism) والتي تخطط موانئ قطر لاستضافة 22 سفينة منها خلال عام 2017م؛ بسبب منع الدول المجاورة من تنقل السفن بين مياهها الإقليمية ومياه قطر الإقليمية، وسياحة زيارة الأصدقاء والأقارب (VFR Visiting Friends and Relatives Tourism) بسبب قيود السفر على الأفراد، مع أهمية الإشارة لاستثناءات الدول الخليجية للعائلات المشتركة من هذا القرار، والسياحة الفاخرة (Luxury Tourism) بسبب تراجع دوافع السياح ضمن هذا النمط من زيارة وجهات سياحية متوترة أو لحاجتهم لساعات أطول للوصول لها جواً، والسياحة الإقليمية (Regional Tourism) التي يبحث السواح فيها عن زيارة أكثر من وجهة سياحية ضمن المنطقة نفسها، فضلاً عن سياحة الفعاليات (Event Tourism) للأسباب المذكورة آنفاً ولاحقاً. حتى القطاع الفندقي الذي بلغ متوسط إشغاله للعام الماضي 62% قد تتراجع فيه هذه النسبة إذا استمرت الأزمة السياسية، ما قد يؤدي لهروب الرساميل المستثمرة في القطاع من السلاسل الفندقية العالمية، وتسرب الموارد البشرية السياحية عموماً التي بلغت العام الماضي 79284 وظيفة (تشكل 4.7% من سوق العمل القطرية). عدم قدرة قطر أو تراجع قدراتها للاستمرار أو تفعيل هذه الأنماط السياحية قبل وأثناء وبعد استضافة المونديال، والمحافظة على مستويات إشغال وعوائد مالية مقبولة ضمن القطاع الفندقي، سوف تكون آثارهما سلبية على متعة التجربة السياحية للفرق المشاركة بالمونديال ولجماهير كرة القدم (Tourists' Experiences)، وعلى فرص تحقيق شروط الفيفا لاستضافة المونديال بمضاعفة الطاقة الاستيعابية للقطاع الفندقي من 23000 غرفة إلى 46000 غرفة، فضلاً عن المحافظة على الطاقة الحالية.
صعوبة الوصول لقطر وتأثر الإمداد والدعم
سابعاً: تراجع سهولة الوصول لقطر
أحد أهم عناصر نجاح الفعاليات الضخمة هو سهولة الوصول للوجهة/ للوجهات السياحية المستضيفة لها (Tourism Destinations' Accessibility)، وقطع الدول العربية الأربع لعلاقاتها مع قطر يمنع مواطني تلك الدول من السفر لقطر، كما يخفض السعة المقعدية التي كانت توفرها ثمانية خطوط طيران رئيسية تابعة للدول الأربع. وحسب إحصاءات الهيئة العامة للسياحة القطرية لعام 2016م فإن جنسيات مواطني الدول الأربع كانت ضمن أعلى 10 جنسيات زارت قطر على النحو التالي: السعودية في المركز الأول (949 ألف زائر)، والبحرين في المركز الثالث (135 ألف زائر)، والإمارات في المركز الرابع (134 ألف زائر)، ومصر في المركز التاسع (81 ألف زائر)، إذ إجمالي الزوار من الدول الأربع يشكل نسبة 44% من إجمالي عدد زوار قطر البالغ 2938000 زائر العام الماضي. أما العمانيون والكويتيون الذين احتلوا المركزين السابع والثامن ضمن أعلى 10 جنسيات زارت قطر العام الماضي (99 ألفا و93 ألفا، على التوالي) فإنهم لن يتمكنوا من زيارة قطر براً، وعبر الجو قد تستغرق رحلاتهم وقتاً أطول في حال استقلوا الخطوط القطرية، وهو نفس حال الزوار العراقيين والأردنيين واليمنيين. دون أدنى شك، إغلاق الحدود البرية، والمجالات الجوية والبحرية للسعودية والإمارات والبحرين، يقلل من سهولة الوصول لقطر لكل القادمين لها من شمالها وجنوبها، ومن جهة الغرب تحديداً، فزوار قطر من الدول الأوروبية (455 ألف زائر)، ومن القارة الإفريقية (254 ألف زائر)، ومن القارتين الأمريكيتين (157 ألف زائر). تراجع سهولة الوصول لقطر لن يؤدي فقط لتوقف الزوار من الدول الأربع المسؤولة عن المقاطعة، بل يؤثر على تكاليف السفر لبقية الزوار من دول العالم، وتأثر تجربتهم السياحية سلباً، ما قد يساهم بشكل مباشر في تراجع أعدادهم، فضلاً عن فرص انضمام دول أخرى لقرار المقاطعة، وهو ما حدث فعلياً مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية أخيرا.
ثامناً: تأثر قطاعي سلاسل الإمداد والدعم اللوجيستي سلباً
تظهر الأبحاث العلمية أن الوجهات السياحية عموماً، والفعاليات الضخمة تحديداً تحتاج لسلاسل إمداد ودعم لوجيستي قوية (logistics and supply chains) لنجاحها. فقطاع الضيافة المتمثل في الفنادق والمطاعم، وقطاع الفعاليات، تحتاج لإمدادها بموارد بشرية ومواد أولية وأخرى مصنعة بشكل دوري أثناء انعقاد المونديال لضمان نجاحه، مثل المواد الغذائية التي ارتفعت تكاليف استيرادها جواً وبحراً من دول في المنطقة أو بعيدة عنها. وحتى القطاعات غير مباشرة مثل الإعلام تأثر سلباً منذ إعلان المقاطعة بسبب منع وصول بث القنوات الإخبارية والرياضية القطرية للدول المقاطعة، ولحجب مواقعها على الإنترنت، وانسحاب شريحة من الفنيين والمحللين والمعلقين من مواطني الدول المقاطعة من العمل في تلك القنوات، وتحفيز جهات منافسة لبحث تأسيس قنوات رياضية بالمنطقة لنقل الأخبار وتغطية الفعاليات من المنطقة والعالم. تراجع قوة سلاسل الإمداد والدعم اللوجيستي، أو ارتفاع تكاليفهما، وتراجع قوة الإعلام القطري سوف يلقي بظلاله على المونديال.
سلبية خطط تشغيل المرافق وتأثر «إرث المونديال»
تاسعاً: الخطط الإستراتيجية لتشغيل مرافق الفعاليات
تتعهد الدول التي تزايد/ تراهن على استضافة الفعاليات الضخمة (Mega Events Biddings) باستثمار مبالغ طائلة لبناء مرافق الفعاليات، سواءً المرافق الخاصة بالفعاليات الرياضية أو المرافق الخاصة بالفعاليات التجارية، فضلاً عن تحديث كل البنى التحتية والفوقية، ولضمان استرجاع تكاليف هذه الاستثمارات، يتم وضع خطط إستراتيجية عند بناء المرافق، مثل تصميمها بشكل يتيح تعدد استخداماتها (Multi-Purpose Venues)، ووضع خطط فعلية لتشغيل هذه المرافق بعد انقضاء المونديال، مثل استضافة فعاليات أخرى أصغر حجماً. جميع الآثار السلبية المذكورة آنفاً سوف تلقي بظلالها على الأنشطة والفعاليات المخطط تنفيذها ضمن مرافق المونديال بعد انتهاء استضافته.
عاشراً: تشوه إرث الفعالية
رغم أهمية الآثار التسعة السابقة، إلا أن هذا الأثر قد يفوق في حجمه وأثره السلبي كل ما تم ذكره آنفاً. فقد أظهرت الأبحاث العلمية المنشورة ضمن دوريات علمية محكمة في مجالي السياحة والفعاليات، وضمن مؤتمرات علمية وصناعية نُظمت لمناقشة آثار فعالية واحدة ضخمة بعينها أو الفعاليات الضخمة عموماً، أن الإرث (Mega Events' Legacies) من أهم آثار الفعاليات الضخمة التي تتركه خلفها ليستمر لعقود من الزمن. بسبب الأحداث السياسية التي ألقت بظلالها على قطر بالدرجة الأولى، والخليج العربي والعالم العربي بدرجات متفاوتة، سوف تشوه الصورة الذهنية المرتبطة بالإرث المرتبط بالفعالية، فعند الحديث عن المونديال بعد 10 سنوات من انقضائه في العام 2032م، سوف تشير له الأخبار بأنه المونديال الذي نظمته قطر، تلك الدولة التي اتهمت برعاية الإرهاب من جيرانها وأشقائها.
الآثار السلبية لقطع علاقات الدول العربية الأربع، وإغلاق حدودها البرية وأجوائها ومياهها الإقليمية على السياحة القطرية لهذا العام، تنبئ بتراجع أعداد الزوار من 3 ملايين زائر إلى مليوني زائر كحد أدنى للعام الحالي فقط (لأن الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي لم تتأثر بالمقاطعة)، وبالتالي تراجع جميع المؤشرات السياحية بنسبة الثلث كحد أدنى لهذا العام وللنصف في العام القادم، في حال استمرار المقاطعة، لتتراجع نسب إشغال القطاع الفندقي من 62% إلى 42%، وتراجع إيرادات السياحة القطرية من 5.174 مليار دولار إلى 3.415 مليار دولار، ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 2.8% إلى 1.85%، فضلاً عن الآثار العشرة المباشرة على مونديال كأس العالم المزمع استضافته في عام 2022م في حال استمرار دعم الاتحاد الدولي لكرة القدم لقطر لاستضافة المونديال.
* أستاذ إدارة الفعاليات والإدارة السياحية
كلية السياحة والآثار
جامعة الملك سعود
emadmonshi@yahoo.com
6 آثار ضمن مرحلة ما قبل الفعالية
أولاً: تأثر تنفيذ مشاريع المونديال
رغم تنظيم قطر لعدد من الفعاليات الرياضية الرئيسية (Major Events) سابقاً، إلا أن مونديال كأس العالم الذي يعتبر أحد الفعاليات الأربع الضخمة على مستوى العالم (Mega Events)، يستدعي تجهيز بنى تحتية جديدة، وبناء بنى فوقية، فضلاً عن زيادة الطاقة الاستيعابية للعديد من المرافق المرتبطة بصناعة النقل، وقطاع الضيافة، وقطاع الصحة، وصناعة الخدمات - المياه والكهرباء والصرف الصحي والاتصالات؛ لتناسب حجم زوار الفعالية الضخمة. إغلاق المنفذ البري الوحيد لقطر مع السعودية، يُصعِّب نقل المعدات الضخمة الخاصة بالحفر والبناء وأعمال المقاولات، ليجبر السلطات القطرية على استخدام قطاعي النقل الجوي والبحري -اللذين لايزالان مفتوحين أمام حركة النقل- في ظل عدم اكتمال مفهوم زعم الحصار الذي تروج له الدوحة، إلا أن الأول أعلى تكلفة وغير مناسب لنقل الآليات الضخمة، والثاني يتصف ببطئه. وبناءً عليه، ارتفاع تكاليف استضافة المونديال، خصوصا أن المواد الأولية لقطاع المقاولات المستوردة من السعودية ذات جودة عالية وأسعار تنافسية، فضلاً عن المخاطرة بالوفاء بتسليم المشاريع حسب الخطط الزمنية المرسومة لها.
ثانياً: تأثر الموارد البشرية الخاصة بتنفيذ مشاريع المونديال
مجموعة من الشركات المساهمة والأفراد العاملين بمشاريع المقاولات موجودون في السعودية والإمارات، وقطع العلاقات يمنع مواطني الدولتين من السفر لقطر، كما يحتم على العاملين المقيمين بها مغادرتها حتى لو لم تستبعدهم الدوحة، وهو ما حدث فعلاً بعد توقف الفلبين عن إرسال عمالتها بسبب مخاوف تتعلق بالإرهاب. هذا الأثر السلبي يعزز آثار الخطر السابق بارتفاع التكاليف، وتأخر مواعيد تسليم المشاريع.
ثالثاً: تمويل مشاريع المونديال
من أهم تحديات استضافة الفعاليات الضخمة هي القدرة على توفير التمويل اللازم للمشاريع المرتبطة بالفعالية، والتي تسعى الدول المستضيفة لتلك الفعاليات عادةً لتمويلها من أربع قنوات رئيسية: مدخراتها وصناديقها السيادية، أو الاقتراض من مؤسسات التمويل المحلية، والدولية، فضلاً عما تجنيه من حقوق الرعاية. أما المدخرات فكل الدول الخليجية تراجعت مدخراتها بسبب تراجع أسعار النفط، وتحقيقها لعجوزات مالية في ميزانياتها للعام الحالي. وبعد تخفيض التصنيف الائتماني لقطر بسبب المقاطعة من وكالتي ستاندرد آند بورز، وموديز، ووضع وكالة فيتش التصنيف الائتماني لقطر قيد المراجعة مع احتمال الخفض مستقبلاً، وارتفاع تكلفة الديون الخارجية، وتراجع سعر صرف الريال القطري وتوقف التعامل معه في بعض الدول ومراكز الصرافة العالمية، وهو ما يؤدي حتماً لارتفاع تكاليف الاقتراض نسبياً. أما الرعاة الرئيسيون والثانويون لمثل هذه الفعاليات، قد يتراجعون كلياً أو جزئياً عن رعاية المونديال؛ نظراً لارتباط اسم الدولة المستضيفة بتهم الإرهاب -حسب ما جاء على لسان الدول المقاطعة لقطر- وهو ما حدث أخيرا بفسخ عقد رعاية الخطوط القطرية لنادي الأهلي السعودي (بغض النظر عن الجهة التي طالبت بفسخ العقد أو مبررات فسخه)، وبالتالي ارتفاع تكاليف التمويل، وتراجع العائد على الاستثمار لاستضافة المونديال.
رابعاً: تشوه الصورة الذهنية
بمجرد إعلان الدول العربية الأربع في بيانات مستقلة ومتزامنة مقاطعة دولة قطر، وإغلاق الأجواء، والمياه، والمنفذ البري الوحيد؛ مبررة ذلك بتهم تتعلق بدعم وتمويل ورعاية الإرهاب مالياً وسياسياً وإعلامياً، تناقلت وسائل الإعلام العالمية -المرئية والمقروءة والمسموعة- تفاصيل الخبر بجميع اللغات الرئيسية (الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية وباقي اللغات الأوروبية والآسيوية). عناوين الأخبار العاجلة، وعناوين التقارير المستمرة، وحتى الأوسمة في شبكات التواصل الاجتماعي جمعت بين ثلاث مفردات أساسية: «قطر، قطع العلاقات، إرهاب»، وبالتالي فإن الصورة الذهنية لوجهة سياحية احتلت المركز السابع والأربعين على مؤشر تنافسية صناعة السفر والسياحة العالمي لعام 2017م الذي صدر في شهر أبريل أي قبل اشتعال الأزمة السياسية بشهرين (متراجعةً أربعة مراكز عن مركزها السابق في عام 2015م وستة مراكز عن مركزها في عام 2013م)، التي تروج لنفسها على أنها وجهة سياحية فاخرة (Luxury Tourism Destination) قد تعرضت صورتها الذهنية للتشويه، وفي حال استمرار التغطية الإعلامية على مستوى العالم، وحتى التغطية الإعلامية المضادة التي تنفي تهم الإرهاب، فإن التشويه سوف ينتقل أثره من الصورة الذهنية للصورة النمطية، التي يصعب معالجتها في الأجل القصير أو المتوسط قبل انطلاق المونديال، بل حتى بعد تنظيم المونديال، سوف تستمر الصورة النمطية المشوهة في فرض تحديات كبيرة لتطوير صناعة السياحة القطرية (تم توضيح هذه المعلومة ضمن الأثر العاشر).
خامساً: تراجع فرص عقد المعسكرات الخارجية للمنتخبات المتأهلة للمونديال في الدول المجاورة لقطر
الأبحاث العلمية في مجال إدارة الفعاليات توضح الأدوار الإيجابية المباشرة وغير المباشرة التي تلعبها الدول المجاورة لإنجاح استضافة دولة ما لفعالية ضخمة. فعلى سبيل المثال، لأن المرافق الرياضية بالدول المستضيفة عادةً لا تكفي لاحتضان 32 منتخباً لإقامة معسكراتهم، تتعاقد المنتخبات المتأهلة مع الفنادق وملاك الملاعب الرياضية بالدول المجاورة لاستضافة معسكرات التدريب؛ للتدريب بظروف مناخية مشابهة للبلد المستضيف قبل انطلاقة المونديال، فضلاً عن تقليل زمن الرحلة بين معسكر التدريب والبلد المستضيف بعد نهاية المعسكر؛ لتقليل الآثار الفسيولوجية السلبية على اللاعبين. قرار قطاع العلاقات قد يُعقّد فرص وجود تلك المنتخبات في ملاعب السعودية والإمارات والبحرين.
سادساً: عناصر نجاح الفعاليات والوجهات السياحية
يمثل هذا الموضوع أحد أهم مجالات الأبحاث العلمية في العلوم السياحية (Events and Tourism Destinations Success Factors)، والتي تبحث كل ما من شأنه إنجاح الفعالية والوجهات السياحية المستضيفة للفعاليات، وتعظيم الآثار الاقتصادية والاجتماعية، وتقليل الآثار السلبية، وهذه العناصر ليست مرتبطة بالفعالية فحسب، مثل جودة تنظيمها وإدارة مخاطرها، وإنما تمتد للفعاليات والأنشطة السياحية المصاحبة للفعالية، وكذلك ما ينظم قبل وبعد الفعالية الضخمة. جميع الأنماط السياحية الرئيسية التي تروج لها قطر قد تأثرت سلباً بشكل مباشر أو غير مباشر بالأحداث السياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: سياحة الترانزيت (Transit Tourism) بسبب إغلاق المجالات الجوية للدول المجاورة، سياحة السفن السياحية العملاقة (Cruise Ship Tourism) والتي تخطط موانئ قطر لاستضافة 22 سفينة منها خلال عام 2017م؛ بسبب منع الدول المجاورة من تنقل السفن بين مياهها الإقليمية ومياه قطر الإقليمية، وسياحة زيارة الأصدقاء والأقارب (VFR Visiting Friends and Relatives Tourism) بسبب قيود السفر على الأفراد، مع أهمية الإشارة لاستثناءات الدول الخليجية للعائلات المشتركة من هذا القرار، والسياحة الفاخرة (Luxury Tourism) بسبب تراجع دوافع السياح ضمن هذا النمط من زيارة وجهات سياحية متوترة أو لحاجتهم لساعات أطول للوصول لها جواً، والسياحة الإقليمية (Regional Tourism) التي يبحث السواح فيها عن زيارة أكثر من وجهة سياحية ضمن المنطقة نفسها، فضلاً عن سياحة الفعاليات (Event Tourism) للأسباب المذكورة آنفاً ولاحقاً. حتى القطاع الفندقي الذي بلغ متوسط إشغاله للعام الماضي 62% قد تتراجع فيه هذه النسبة إذا استمرت الأزمة السياسية، ما قد يؤدي لهروب الرساميل المستثمرة في القطاع من السلاسل الفندقية العالمية، وتسرب الموارد البشرية السياحية عموماً التي بلغت العام الماضي 79284 وظيفة (تشكل 4.7% من سوق العمل القطرية). عدم قدرة قطر أو تراجع قدراتها للاستمرار أو تفعيل هذه الأنماط السياحية قبل وأثناء وبعد استضافة المونديال، والمحافظة على مستويات إشغال وعوائد مالية مقبولة ضمن القطاع الفندقي، سوف تكون آثارهما سلبية على متعة التجربة السياحية للفرق المشاركة بالمونديال ولجماهير كرة القدم (Tourists' Experiences)، وعلى فرص تحقيق شروط الفيفا لاستضافة المونديال بمضاعفة الطاقة الاستيعابية للقطاع الفندقي من 23000 غرفة إلى 46000 غرفة، فضلاً عن المحافظة على الطاقة الحالية.
صعوبة الوصول لقطر وتأثر الإمداد والدعم
سابعاً: تراجع سهولة الوصول لقطر
أحد أهم عناصر نجاح الفعاليات الضخمة هو سهولة الوصول للوجهة/ للوجهات السياحية المستضيفة لها (Tourism Destinations' Accessibility)، وقطع الدول العربية الأربع لعلاقاتها مع قطر يمنع مواطني تلك الدول من السفر لقطر، كما يخفض السعة المقعدية التي كانت توفرها ثمانية خطوط طيران رئيسية تابعة للدول الأربع. وحسب إحصاءات الهيئة العامة للسياحة القطرية لعام 2016م فإن جنسيات مواطني الدول الأربع كانت ضمن أعلى 10 جنسيات زارت قطر على النحو التالي: السعودية في المركز الأول (949 ألف زائر)، والبحرين في المركز الثالث (135 ألف زائر)، والإمارات في المركز الرابع (134 ألف زائر)، ومصر في المركز التاسع (81 ألف زائر)، إذ إجمالي الزوار من الدول الأربع يشكل نسبة 44% من إجمالي عدد زوار قطر البالغ 2938000 زائر العام الماضي. أما العمانيون والكويتيون الذين احتلوا المركزين السابع والثامن ضمن أعلى 10 جنسيات زارت قطر العام الماضي (99 ألفا و93 ألفا، على التوالي) فإنهم لن يتمكنوا من زيارة قطر براً، وعبر الجو قد تستغرق رحلاتهم وقتاً أطول في حال استقلوا الخطوط القطرية، وهو نفس حال الزوار العراقيين والأردنيين واليمنيين. دون أدنى شك، إغلاق الحدود البرية، والمجالات الجوية والبحرية للسعودية والإمارات والبحرين، يقلل من سهولة الوصول لقطر لكل القادمين لها من شمالها وجنوبها، ومن جهة الغرب تحديداً، فزوار قطر من الدول الأوروبية (455 ألف زائر)، ومن القارة الإفريقية (254 ألف زائر)، ومن القارتين الأمريكيتين (157 ألف زائر). تراجع سهولة الوصول لقطر لن يؤدي فقط لتوقف الزوار من الدول الأربع المسؤولة عن المقاطعة، بل يؤثر على تكاليف السفر لبقية الزوار من دول العالم، وتأثر تجربتهم السياحية سلباً، ما قد يساهم بشكل مباشر في تراجع أعدادهم، فضلاً عن فرص انضمام دول أخرى لقرار المقاطعة، وهو ما حدث فعلياً مع مجموعة من الدول العربية والإسلامية أخيرا.
ثامناً: تأثر قطاعي سلاسل الإمداد والدعم اللوجيستي سلباً
تظهر الأبحاث العلمية أن الوجهات السياحية عموماً، والفعاليات الضخمة تحديداً تحتاج لسلاسل إمداد ودعم لوجيستي قوية (logistics and supply chains) لنجاحها. فقطاع الضيافة المتمثل في الفنادق والمطاعم، وقطاع الفعاليات، تحتاج لإمدادها بموارد بشرية ومواد أولية وأخرى مصنعة بشكل دوري أثناء انعقاد المونديال لضمان نجاحه، مثل المواد الغذائية التي ارتفعت تكاليف استيرادها جواً وبحراً من دول في المنطقة أو بعيدة عنها. وحتى القطاعات غير مباشرة مثل الإعلام تأثر سلباً منذ إعلان المقاطعة بسبب منع وصول بث القنوات الإخبارية والرياضية القطرية للدول المقاطعة، ولحجب مواقعها على الإنترنت، وانسحاب شريحة من الفنيين والمحللين والمعلقين من مواطني الدول المقاطعة من العمل في تلك القنوات، وتحفيز جهات منافسة لبحث تأسيس قنوات رياضية بالمنطقة لنقل الأخبار وتغطية الفعاليات من المنطقة والعالم. تراجع قوة سلاسل الإمداد والدعم اللوجيستي، أو ارتفاع تكاليفهما، وتراجع قوة الإعلام القطري سوف يلقي بظلاله على المونديال.
سلبية خطط تشغيل المرافق وتأثر «إرث المونديال»
تاسعاً: الخطط الإستراتيجية لتشغيل مرافق الفعاليات
تتعهد الدول التي تزايد/ تراهن على استضافة الفعاليات الضخمة (Mega Events Biddings) باستثمار مبالغ طائلة لبناء مرافق الفعاليات، سواءً المرافق الخاصة بالفعاليات الرياضية أو المرافق الخاصة بالفعاليات التجارية، فضلاً عن تحديث كل البنى التحتية والفوقية، ولضمان استرجاع تكاليف هذه الاستثمارات، يتم وضع خطط إستراتيجية عند بناء المرافق، مثل تصميمها بشكل يتيح تعدد استخداماتها (Multi-Purpose Venues)، ووضع خطط فعلية لتشغيل هذه المرافق بعد انقضاء المونديال، مثل استضافة فعاليات أخرى أصغر حجماً. جميع الآثار السلبية المذكورة آنفاً سوف تلقي بظلالها على الأنشطة والفعاليات المخطط تنفيذها ضمن مرافق المونديال بعد انتهاء استضافته.
عاشراً: تشوه إرث الفعالية
رغم أهمية الآثار التسعة السابقة، إلا أن هذا الأثر قد يفوق في حجمه وأثره السلبي كل ما تم ذكره آنفاً. فقد أظهرت الأبحاث العلمية المنشورة ضمن دوريات علمية محكمة في مجالي السياحة والفعاليات، وضمن مؤتمرات علمية وصناعية نُظمت لمناقشة آثار فعالية واحدة ضخمة بعينها أو الفعاليات الضخمة عموماً، أن الإرث (Mega Events' Legacies) من أهم آثار الفعاليات الضخمة التي تتركه خلفها ليستمر لعقود من الزمن. بسبب الأحداث السياسية التي ألقت بظلالها على قطر بالدرجة الأولى، والخليج العربي والعالم العربي بدرجات متفاوتة، سوف تشوه الصورة الذهنية المرتبطة بالإرث المرتبط بالفعالية، فعند الحديث عن المونديال بعد 10 سنوات من انقضائه في العام 2032م، سوف تشير له الأخبار بأنه المونديال الذي نظمته قطر، تلك الدولة التي اتهمت برعاية الإرهاب من جيرانها وأشقائها.
الآثار السلبية لقطع علاقات الدول العربية الأربع، وإغلاق حدودها البرية وأجوائها ومياهها الإقليمية على السياحة القطرية لهذا العام، تنبئ بتراجع أعداد الزوار من 3 ملايين زائر إلى مليوني زائر كحد أدنى للعام الحالي فقط (لأن الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي لم تتأثر بالمقاطعة)، وبالتالي تراجع جميع المؤشرات السياحية بنسبة الثلث كحد أدنى لهذا العام وللنصف في العام القادم، في حال استمرار المقاطعة، لتتراجع نسب إشغال القطاع الفندقي من 62% إلى 42%، وتراجع إيرادات السياحة القطرية من 5.174 مليار دولار إلى 3.415 مليار دولار، ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي من 2.8% إلى 1.85%، فضلاً عن الآثار العشرة المباشرة على مونديال كأس العالم المزمع استضافته في عام 2022م في حال استمرار دعم الاتحاد الدولي لكرة القدم لقطر لاستضافة المونديال.
* أستاذ إدارة الفعاليات والإدارة السياحية
كلية السياحة والآثار
جامعة الملك سعود
emadmonshi@yahoo.com